قالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس عمر البشير وجه بإقالة مستشاره الصحافي، محجوب فضل، من منصبه، بعدما فوجئ الرئيس بحوار صحافي أجري معه نشرته إحدى الصحف الوليدة في الخرطوم دون علمه، مما أثار غضبه.
ويتكتم المسؤولون في القصر الرئاسي حيال القرار وأسبابه، وتحاشى المستشار الصحافي، فضل، في حديث مع «الشرق الأوسط» الخوض في أسباب القرار، باعتبار أنه لم يستلمه بعد، غير أنه قال إن ما حدث «ليس فراقا أو تدابرا» بينه وبين الرئيس. وأضاف: «أنا جندي في الإنقاذ، لو أمرني الرئيس أن أعمل خفيرا عند بابه لوافقت». وقلل مسؤولون في الصحيفة التي نشرت الحوار، تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، من شأن التسريبات، ودافعت عن الإجراءات التي تم بها الحوار، وقالت إنها «سليمة» بالنسبة لهم، غير أنهم قالوا إنهم لا يدرون ما إذا كان الحوار قد اطلع عليه الرئيس قبل نشره أم لا.
وتشير تفاصيل القصة إلى أن الرئيس البشير، وبعد عودته من رحلته الأخيرة إلى ليبيا لحضور قمة الساحل والصحراء، فوجئ عند مطالعته لصحيفة «الحرة» اليومية الوليدة، بحوار معه أجراه رئيس تحرير الصحيفة، ذكر أنه تم أثناء مرافقته للرئيس في الزيارة. فغضب الرئيس وقام باستدعاء وزير شؤون الرئاسة بكري حسن صالح وطلب منه تحريك بلاغ ضد الصحيفة «باعتبار أن هذا الحوار لم يتم.. ولا علم له به.. وأنه لم يلتق رئيس تحرير تلك الصحيفة». وذكرت المصادر أن وزير شؤون الرئاسة أجرى تحقيقا حول الموضوع فتوصل إلى أن الصحيفة المذكورة كتبت أسئلة وبعثتها للمستشار الصحافي، فضل، الذي أجاب عن الأسئلة وأعادها للصحيفة دون أن يطلع الرئيس عليها». وأنه كان ينوي إطلاع الرئيس بفحوى الحوار، كما درجت العادة، حيث تجرى الحوارات مع الرئيس عبر السكرتير الصحافي. وبناء على نتائج التحقيق، قال الرئيس البشير لوزير شؤون الرئاسة إنه لا يريد التعامل مع مستشاره الصحافي في هذا المنصب بعد اليوم. وهو ما جرى تفسيره بأنه إقالة. وتم تكليف أحد أعضاء المكتب الإعلامي، وهو عماد سيد أحمد، بتولي المنصب. وشغل فضل المنصب لستة أعوام، وهو المستشار الصحافي الثالث للرئيس البشير منذ قدومه لسدة الرئاسة عام 1989.
ولم يتسن التحدث مع رئيس تحرير صحيفة «الحرة»، الصحافي أحمد عبد الوهاب، الذي ادعى إجراء الحوار، غير أن جمال علي حسن، مدير تحرير الصحيفة، دافع بشدة عن صحة قنوات إجراء الحوار مع الرئيس، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن رئيس تحرير الصحيفة استنادا إلى سوابق قديمة لحوارات أجريت معه لصحف أخرى، طلب إجراء حوار مع الرئيس فطلب منه المستشار الصحافي كتابة الأسئلة لتوصيلها للرئيس. وأضاف أن رئيس التحرير استلم الإجابات مكتوبة من المستشار الصحافي، لكنه قال إنهم لا يدرون حتى الآن ما إذا كان الرئيس قد اطلع على الحوار قبل نشره أم لا، ولكن مستشار الرئيس أبلغهم بأنه وافق على إجراء الحوار بالطريقة ذاتها التي اتبعت في كثير من الحوارات». وحسب حسن، فإنه حتى الآن لا يعلم أن حيثيات هذا الحوار هي سبب التوجيهات بإقالة فضل. لكنه شدد قائلا «بالنسبة لنا الوضع سليم، بدليل أننا أعلنا عنه أكثر من مرة قبل نشره».
وسألت «الشرق الأوسط» المستشار الصحافي المقال، فضل، عن فحوى القرار وأسبابه، فتحاشى الخوض في الأسباب، كما قال إنه حتى الآن لم يتسلم أي قرار من القصر الرئاسي أو جهة أخرى بالإقالة. وقال إن تكليفا صدر بتولي عماد سيد أحمد المنصب، وأنه في المنزل في عطلة، غير أنه عاد وقال إن «ما حدث ليس فراقا أو تدابرا» بينه وبين الرئيس عمر البشير، وأضاف: «علاقتي بالرئيس وكل السادة المسؤولين في الدولة جيدة ولا عزاء لأعداء النجاح»، الذين حملهم مسؤولية ما حدث، وقال «إنهم موجودون في كل حزب وفي أي قطاع.. وهم حزب بذاته.. وهم حزب متنام».
وواصل فضل يدافع عن فترة عمله في المنصب، قال «أنا رجل عهد وبيعة منذ أن توليت المنصب قبل ستة أعوام، وجندي ملتزم وجاهز دائما للتكليف»، وأضاف: «أنا دائما جندي في الإنقاذ، أعمل في أي موقع وألتزم بما يصدره الرئيس»، وقال بلغة واثقة: «إذا كلفني الرئيس بأن أكون خفيرا بعكازة عند بابه لوافقت وعملت»، ومضى «لا أتطلع للمناصب ولم أسع لأي منصب وهذا المنصب جاءني تكليفا.. وأقبل أي قرار بشأنه ولا أملك إلا أن أستجيب».
وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الحوارات الصحافية مع الرئيس البشير تجرى عن طريقين: إما مباشرة بين الرئيس والصحافي في المكان والزمان المحددين مسبقا، وفي الغالب يشترط المسؤولون في القصر أن يكون رئيس التحرير، إلا في حالات نادرة، وإما عن طريق كتابة أسئلة من رئيس تحرير الصحيفة أو من يراه القصر مناسبا في أية صحيفة، وتعرض الأسئلة على الرئيس ويوجه هو بدوره مستشاره الصحافي بالإجابة عنها، باعتباره يدري الكثير من السياسات، ثم تعاد إلى الرئيس للاطلاع عليها وإبداء الملاحظات عليها، وقد يحذف وقد يضيف، قبل أن يوجه سكرتير التحرير مرة أخرى بالسماح بنشر الحوار. ولكن المرحلة الأخيرة في هذه العملية يبدو أنها لم تتم.
الخرطوم: إسماعيل آدم
الشرق الاوسط